يمكن القول، بأن المواضيع الدينية في التصوير الجداري في النوبة المسيحية لم تقتصر علي المفهوم و الاعتقاد الديني الصرف إلا في بعض اللوحات المقدسة و تحقيق الوظيفة الجمالية كان مصاحباً لهذه الرسومات ، طالما استخدم فيه الفنانون الأساليب المختلفة في زخرفة الكنائس و استعمال الألوان للملابس وتوضيح الأشكال والذي ظهر في العباءات و الحُلة والاستخدام للون واحد ثم تطور حتي ظهرت رسومات بها الوان متعددة . كل ذلك يعكس جوانب و ملامح جمالية و مقدرة للفنان علي خلق التجانس بين المفهوم الديني و الناحية الجمالية . إضافة إلي ذلك فان وضع هذه الرسومات داخل الكنائس له وقع خاص في نفوس المسيحيين و ترتيبها وتميزها علي حسب الكنائس واشتراك بعض الموضوعات في كل الكنائس يبلور النواحي الجمالية في الكنائس النوبية إضافة إلي إن المواضيع الدينية الصرفة تقرب المفاهيم و المعتقدات للمؤمنين بالدين المسيحي .
لا تقتصر الكنائس النوبية في تصوير الشخصيات الدينية المقدسة مثل (العذراء – المسيح – الملائكة...الخ) ، بل نجد تصاوير للشخصيات السياسية مثل الملوك و الحكام و حكام الأقاليم .ويمكن القول بأن هذه الرسومات تعتبر ذات طبيعة مزدوجة بين الدينية و السياسية.ومن بين هذه اللوحات التي تجمع الملك جورج الأول و العذراء.ومن الصور التاريخية صورة الملك جرجه في سونقي غرب ويظهر فيها الملك تحت حماية المسيح (عمانويل) .أن هذه اللوحات تبين أن النوبيين كانوا يحكمون و لهم سلطة في النوبة المسيحية .وقد ظلت صور الشخصيات الدينية ذات القدسية بمنأي عن التأصيل الذي يحمل الملامح النوبية لأنها في الأصل من مناطق أخري لذلك لم تخضع صورهم لأي تغير جوهري ،والطقوس الدينية التي تصاحب السير و الموضوعات الابوكريفية مع القراءات و الطقوس الدينية الاحتفالية الاخري التابعة لأعياد القديسين المرسومين في تلك اللوحات تمثل مصدرا خصباً يلهم الفنانين لابتكار موضوعات جديدة في الرسم .
يعتقد الدارسون المتخصصون في هذا الحقل أن الشخصيات السياسية ساهمت بقدر كبير في دعم الكنائس النوبية مما يسر تضمين و انتشار صورهم بين رسومها الجدارية و أمكن التعرف علي مجموعة من ابارخي نوباتيا الذي يطلق علي واحدهم في المصادر العربية صاحب الجبل بواسطة الكشوف الأثرية و من بينهم ماركوس 707 م ،وبطرس 972م ،وباولوس 750م وغيرهم من الأبارخة. ولا نعلم حتي الآن ما إذا كان لقب أبارخ قد أطلق أيضا علي غير حاكم فرص في الولايات النوبية الأخري في ذلك العهد ، غيران المصادر التاريخية و الآثرية تشير إلي أن رتبة ذلك الحاكم كانت تأتي في اعلي قائمة النبلاء النوبيين بعد الملك مباشرة ا وكان اسمه يسجل في المكاتبات الرسمية بعد الملك مباشرة أيضا ، كما يصور في كاتدرائية فرص بعد الأساقفة و الملوك بزيه المميز الذي يشمل خوذة ذات قرنين و هنالك حوالي ثلاثة صور لابارخين من كاتدرائية فرص لم يبق منها سوي خوذة الرأس.
أن كثيرا من العادات و الطقوس الاجتماعية في تلك المناطق و غيرها من أنحاء السودان الأخري ذات جذور مسيحية ، ورغم اختلاف المفاهيم التي تستعمل من أجلها الآن عما كان شائعا في العهد المسيحي . وفي كثير من الطقوس المستمرة مثل أربعين الولادة (غسل الطفل في الماء ) . ورغم أوجه الشبه و الاختلاف بين مظهر و مضامين فن التصوير الحائطي ذي الأصل المسيحي في بلاد النوبة قديما و حديثا فقد كان احد أهم أهداف تصوير الشخصيات السياسية النوبية جنبا إلي جنب مع الرموز المسيحية المقدسة في الكنيسة ، يرمي إلي إضفاء مزيد من الشرعية علي الملكية النوبية ذات الدور الكبير في رعاية العقائد المسيحية في هذه البلاد و التمكين لها في ذلك الوقت .
انتقل فن الرسم الجداري من الكنائس إلي المنازل و القصور النوبية في العهد المسيحي بأسلوب جديد ، يعتمد علي الزخرفة لإعطاء لمحة جمالية.
وأخيرا تدهور المستوي العام للتصوير الحائطي النوبي بعد القرن الثاني عشر وكان ذلك التدهور سريعا في القرنين التاليين حتي آل إلي الزوال نتيجة لحالة التدهور العام التي تعرضت لها حضارة النوبة المسيحية في تلك الفترة حتي بلغت النهاية بعد دخول العرب المسلمين ويمكن أن يؤرخ إلي تاريخ الرسوم الجدارية من منتصف القرن السابع الميلادي حتي القرن الخامس عشر أي من 680م – 1400م .
الأحد ديسمبر 06, 2009 4:40 pm